أجمل كتاب … وأبشع كاتب محمد داودية

هاتفني غازي السعدي عام 1989 قائلا: ادعوك الى شاي صباحي خاص. راجيا ان تزورني قبل مرورك على الدستور. لك عندي هدية ثمينة.
لبيت دعوة صديقي الرقيق المفرط الهدوء المرابط في دار الجليل. قدم لي شايا معطرا وكتابا. قال: انت مولع بمذكرات القادة وسيرهم، وهذا هو احد الكتب التي تقدم لك فكرة وافية عن البنية الثقافية والنفسية والأخلاقية والسياسية وأيضا النضالية، للزعيم الصهيوني التاريخي الذي هزمنا واعلن قيام دولة إسرائيل سنة 1948.
غازي السعدي صحافي وباحث وكاتب محترف جاد، يخصص نحو 18 ساعة من يومه لرصد الاعلام الإسرائيلي والترجمة عن العبرية والبحث والكتابة في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، متفاديا بالتزام حرفي وصرامة، الكتابة في الشؤون العربية المتضاربة المتضادة المتحاربة.
قدّم لي ابو ايهاب كتاب «رسائل بن غوريون» وهو الكتاب رقم 117 من منشورات دار الجليل التي أثرت المكتبة العربية بسلسلة من الكتب المهمة جدا بلغت 257 كتابا ومنها هذا الكتاب الذي ترجمته الأميرة دينا عبد الحميد واعتبره من اجمل السير التي قرأتها في حياتي.
تغطي رسائل دافيد بن غوريون الى زوجته باولا، الحقبة من 1918 الى 1942 وهي حقبة قاسية صعبة شهدت عملا ضاريا ممنهجا لتأسيس دولة العدوان والطغيان في فلسطين.
وقارئ هذه الرسائل الوجدانية السياسية التربوية يُذهل حين يجدها تقطر عذوبة ورقة وإنسانية. وتتفجر حبا وهياما واحتراما. وتحمل عزما على التضحية وهمة مذهلة وفدائية بارزة ونكرانَ ذاتٍ مطلقا.
ولأن تضحيات آباء النضال الفلسطيني الأسطوري البطولي الضاري، من اجل عروبة فلسطين وحريتها واستقلالها، تفوق تضحيات آباء الحركة الصهيونية ومؤسسيها، الذين ساندتهم كل قوى الاستعمار القديم ويهود العالم واعلامه، فإنني مندهش كيف ان هؤلاء المناضلين الافذاذ -بشهادة الاستشهاد- من اجل الحرية، لم يكتبوا مذكراتهم! ومن كتب منهم، كتب عن البندقية والدم والتضحيات والمقاومة والشهادة.
لم نقرأ رسائل ندية الى الزوجات، تفيض عذوبة ورقة وحبا، كما كتب هذا السفاح المتوحش مقترف العديد من المجازر الذي يقطر شدقاه دما ولحما، فأظهرته رسائله هذه للعالم، إنسانا رومانسيا رقيقا وزوجا مخلصا يحترم المرأة ومناضلا صلبا يسعى من اجل قضية محقة عادلة!.
لقد كتب شعراء رومانسيون من احرار العالم، قصائد من المنافي والمعتقلات وساحات القتال، فاورثونا تراثا وشعرا ها نحن نتغنى به منذ عقود طويلة، كما فعل المناضل التقدمي التركي ناظم حكمت، الذي امسك بالاشياء البسيطة وأشركنا بها وأنسنها.
ظلت رسائل بن غوريون ترن في بالي نحو 28 عاما، الى ان هاتفت السيد إيهاب نجل صديقي غازي السعدي فبشّرني بوجود الكتاب ثم تفضل وارسله لي مع اضمومة قيمة من مذكرات قيادات الحركة الصهيونية التي ترجمتها دار الجليل وكلها تخصنا وتهمنا وتعنينا نحن هنا في الأردن وليس فقط الاشقاء في فلسطين.
فنحن امام حركة صهيونية توسعية تنفذ جدلية مرسومة هي جدلية التوسع والاستيطان ويعتبر الأردن جزءا من ارض الميعاد وارض إسرائيل، التي انتزعها الملك المؤسس عبدالله الأول من وعد بلفور. وهاهو الارهابي مناحيم بيغن رئيس وزراء إسرائيل الأسبق يقول: «شرقي نهر الأردن اراض يحتلها العدو».
«رسائل بن غوريون» الى زوجته باولا، كتاب يستحق القراءة، وتستحق روح غازي السعدي الذي نشره، الرحمة والغفران. فهو كتاب يعرفنا بالمزيد من مكونات القيادات الصهيونية التي أقامت دولة على الظلم والطغيان. ويدلنا بطريقة غير مباشرة على ماذا علينا ان نفعل لنقيم دولة فلسطين على الحق والعدل.

مقالات ذات الصلة