الحكومة والإعلام المطلوب – بقلم : إسماعيل حسين محاسنه

بسم الله الرحمن الرحيم
الحكومة والإعلام المطلوب
للمرة الثالثة يؤكد الواقع ضياع بوصلة الإعلام الأردني ، وفشله في تغطية أحداث هامة وحساسة ويعزل المواطن الأردني ، ويقيم جدارا بغيضا من الاستهتار بعقول الناس ، وحقهم في معرفة ما يجري على أرض الوطن ، ويستثير مشاعرهم ، ويدفعهم إلى الكراهية مرغمين ، جاهلا أو متجاهلا أن هناك حقيقة أساسية في مفهوم تعامل مع الإعلام مع قضايا الوطن ومشاكله ، إذ لا بد أن يكون المبدأ الأساس هو أن يقول الإعلام الحق دائما ، وأن يظهر الحقيقة مهما كانت مرة ، لأنها الوجه الحقيقي للحق ، أو الطريق إليه ، ومواطننا ليس غبيا ، ولا جاهلا ، فهو مهتم دائما ، يبحث ويفتش ، ويرصد المواقف بدقة ، وغالبا ما يكون لديه نصف الحقيقة .
نريد حكومة مؤمنة بأهمية الإعلام ، ودوره في بناء جسور الثقة مع المواطن ، وزيادة وعيه ، لا حكومة مسيطرة رجعية ، تخزن المعلومات بحذر وسرية ، وتصادر رغبته في الحصول على المعلومة ، وتتركه للظنون والضبابية ، وتتعامل معه وكأنه عدو . نريد حكومة تمارس ولايتها بكفاءة واقتدار ، بحيث تتولى جهة واحدة صناعة قراراتها ، تتحمل المسؤولية وتحاسب على أي خلل من تقصير أو تأخير ، ولا نريد حكومة لا تفهم واجبها ، وتترك ولايتها لعبة بيد مراكز القوى تتحكم فيه على هواها ، تصوغها ضمائرها المريضة ، وهواجسها الأنانية ، خدمة لمصالحها الشخصية ، أو تمريرا لأجندات خارجية ، وما نحن ببعيدين عن هذه الفوضوية ، فقد ظهرت الحكومة في أسوا صورها بقصة ” كنز عجلون ” فقد رأينا عجبا في تضارب تصريحات وزير الداخلية ، ووزير الإعلام ، ورئيس هية الأركان ، ومحافظ عجلون ، فقد جاء كل منهم برواية ما أنزل الله بها من سلطان ، فكانت تصريحاتهم ” كلعبة الأطفال بشوربة العدس ” وزاد رئيس الحكومة الطين بلة ، فأتبع الكذب عيبا ، عندما صرح بأنه غائب عن القصة ، ولا علم له بما يجري ، فانجلى ضعفه ، وزاد سخفه ، وظهر مثل ” كامش المية ، ورابط الفية ” . ورسم أعلامنا صورة أسوأ أيضا بقضية أسر الطيار معاذ الكساسبة ، حيث تجلت بيروقراطيته البغيضة ، وعجزه الفاضح عن التحكم بالموقف ، صورة وخبرا وكلمة ، فكان غائبا حينا ، مشلولا متخبطا حينا آخر ، فقد ما كان له من مصداقية يسيرة حتى عند من اعتادوا الثناء عليه ، وحتى لا تتكرر مشاهد السقوط والابتذال والفشل ، فإننا نريد حكومة واعية قوية ، تترجم رغبة جلالة الملك بالحرية التي سقفها السماء ، فترسم سياسة إعلامية حرة محصنة ، تدعمها ، وتحترم عقل المواطن ، وتفتح أمام الصحفي آفاقا واسعة من الحرية المسؤولة ، وتتخلى عن أسلوب السيطرة ، والترصد ، ليتمكن من أداء رسالته بمهنية عالية ، وبما يناسب بيان الحق ، وتجلية الحقيقة ، وأن لا يظل أسيرا لرغبة المسؤول وهواه ، مكرسا سياسة المجاملة والمداراة ، أو تحت رحمة مقص الرقيب ، مضطرا إلى التحوير والتجميل تحت سيف الملاحقة والتهديد بسجنه أو إيقافه عن العمل .
ونريد أيضا وزيرا يحمل هم الوطن ، يحمل ملفات المواطنين في حقيبته ، ويتابعها بدقة وموضوعية ، بعيدا عن الاستعراض والارتجال ورفع العتب ، ولا نريد وزيرا يتكلم في الهواء ، ويبذر الوعود حبا نخره السوس ، لا ينبت ولا يثمر ، أو وزيرا جبانا يهرب من وسائل الأعلام ، ويغلق هاتفه ، ليستر عجزه ، ويخفي تقصيره .
نريد إعلاما له لون وطعم ورائحة ، ونريد إعلاميا صاحب كلمة جريئة وموقف ، يصور واقع الأحداث ، وتفاصيلها الدقيقة ، ولا يحيد عن إعلان الحقيقة مها كانت القضية صعبة وقاسية ، إعلاميا يعلم الناس قيم الصدق ، ونبل الخلق ، وسمو الحقيقة ، وقدسية الحق ، وقبول الواقع بسوءاته ، وتقبل الرأي المضاد ، والتسليم بان هناك من يفهم ، ويفكر ، ويميز ، ويتابع ، ويرصد ، ولا تمر عليه أحابيل المحتالين ، وتبريرات المنتفعين ، ومسوغات المسؤولين ، وتجميل المصورين .
نريد إعلاما وطنيا مسؤولا ومميزا ، يلبي رغبة المواطن في بحثه عن الحقيقة ، ينقل الخبر الصادق دون تخفيف أو تهويل ، ويصور الحدث بتفاصيله الدقيقة ، وبعيدا عن أي حسابات ، تتناغم فيه مسؤولية الحكومة مع فضول المواطن أو شوقه لمعرفة الحقيقة ، ليتمكن المواطن من تهيئة نفسة ، ويكون قويا قادرا على مواجهة ما يترتب على ذلك ، فالإعلام الذي يتحدث بحسن نية ، وغياب المهنية ، وقلة الاحترافية ، قبيح ، والإعلام الذي يتحدث بسوء نية أو مجاملة واحترافية ، منحرف ومجرم ، فكلاهما شر ، يضر بالوطن ، لأنهما يثيران الشكوك ، ويفتحان أبوابا للفتنة .
وإنني أدعو أن يكون إعلامنا صادقا منتميا ، حرا جريئا ، مهذبا ومنزها ، يحترم ثقافة المواطن وعقليته ، بعيدا عن الاستخفاف ، والنظرة الفوقية ، لنضمن ثقة المواطن ، ودعمه ، ووحدة القلوب ، وصلابة الصفوف ، وتماسك الشعب ووقوفه إلى جانب الحكومة ، يسندون بعضهم بعضا ، ليبقى جسر الثقة قويا ، والوطن عزيرا مصانا ، وبغير هذا ستظل كل الجسور بين الحكومة والمواطن محطمة ، والثقة بمؤسساتنا الإعلامية معدومة ، وعينه على وسائل الإعلام الخارجية كمصدر للمعلومة الصحيحة ،
وليس هذا كافيا ، إذ إن من الضروري استقطاب الكفاءات الإعلامية المتصفة بالمصداقية ، والجرأة ، والثقافة العالية ، والهدوء ، وضبط النفس ، والحيادية ، التي تملك زمام اللغة ، واسلوب صياغة الخبر وتحريره ، واختيار الصورة المعبرة ، والقادرة على توجيه الحوار ، والمتمكنة من كل وسائل الاتصال الفعال ليكون قادرا على التعامل مع كل الفئات ليكون أداؤه مقبولا وممتعا ، فالاعلامي يجب أن يوحد ولا يفرق ، يقرب ولا يبعد ، يسر ولا يضر ، يخبر ولا يحجر يحاور ولا يناور ، يصدق ولا يكذب ، يواجه ولا ينافق ، لأن كل ذلك يصب في النهاية في مصلحة الوطن ، ولأن مهمة الإعلام هو إبقاء المواطن على علم بحقيقة ما يجري في العالم لا سيما ما يتعلق في وطنه ليتمكن الناس من بلورة آرائهم ، ووجهات نظرهم بحيث يزيد وعيه وقوته ، ولا بد لوزير الإعلام أن يكون نموذجا متميزا ، يجعله قدوة الإعلاميين ، ومثالهم الأعلى في الالتزام برسالة الإعلام ، والقسم الصحفي ، فلا يخضع لرغبة الآخرين ، ولا يتبنى مواقفهم ، وخير له ألف مرة أن يجلس في بيته من أن يضع نفسه في هذا الموقف ، مخالفا مبادئ مهنته ، منكرا لما تعلمه ، وحانثا بما أقسم عليه .

إسماعيل حسين محاسنه
كفرخل / جرش

مقالات ذات الصلة