في الزرقاء الرئيس مُكبّل والمحافظ مُبجّل

أما وقد أنتهت الإنتخابات النيابية بالمملكة، فنحن مقبلين على إنتخابات المجالس المحلية للمحافظات والبلديات والتي قد تجرى معاً بإشراف الهيئة المستقلة للإنتخاب، فهل لنا أن نستشرف ما ستكون عليه الأوضاع في البلديات التي تعاني غالبيتها من التهميش والمديونية، أو بمعنى أدق… هل ستكون الشخصيات المنتخبة ماتور للبلديات أو مرساة لتكبيلها.
تنص المادة (5/ج) من قانون اللامركزية لسنة 2015 على ما يلي: لغايات تنفيذ أحكام هذا القانون، يلتزم مديرو الدوائر الحكومية والمؤسسات العامة في المحافظة بالتعليمات الصادرة عن المحافظ ويعتبرون مسؤولين أمامه عن تنفيذها.
وقد عرّف القانون نفسه (المحافظ) كحاكم إداري جاء على ذكره (13) مرة في سياق القانون النافذ وخصة بصلاحيات واسعة جداً يعمل على قيادة الأجهزة الرسمية في المحافظة والإشراف عليها وكذلك التنسيق بين المجلس التنفيذي (المنتخب) الذي يرأسه مع البلديات في المحافظة والوزرات والدوائر الحكومية والمؤسسات العامة. كما يقوم المحافظ بالإشراف على الخطط التنموية والخدمية وعلى إعداد الموازنة السنوية للمحافظة، ولا مجال لسرد باقي الصلاحيات التي تجعل من المحافظ (رئيس دويلة) مُعيّن من قبل وزير الداخلية المعين من قبل رئيس الوزراء، والمعين بالتالي من جلالة الملك، فهل ! هذه هي الأسباب الموجبة لإصدار قانون اللامركزية التي قصدها المشرّع (متوالية عنقودية من التعينات).
لقد سبق وكتبنا بهذه الموضوع مراراً ولم نتلقى إي جواب، على أساس أن القائمين على الإعداد (خبراء) يهدفون الى إحداث نقلات تدريجية في النمط الإداري للمملكة تفضي الى الحكم المحلي من خلال إدارة محلية لامركزية.
ولنا أن نستعين بالأوضاع السائدة في إحدى محافظات المملكة الإثناعشر، ولتكن (الزرقاء) التي تبلغ مساحتها 60 كيلومتر مربع وفيها سبعة بلديات هي (الزرقاء، الرصيفة، الهاشمية، بيرين، الظليل، الحلابات، الأزرق) لنجري محاكاة عملية لما آلت اليه الأوضاع بعد تعيين مُحافظ شاب ذو شخصية قوية هو الدكتور رائد العدوان، والإنسان المحبوب جماهيرياً والفائز بالإنتخاب برئاسة البلدية المهندس عماد المومني، حيث لم يعد يخفى على المراقبين بأن الأجواء مشحونة بينهما وباتت تؤثر على سير العمل في البلدية والمحافظة على حد سواء، فهل هناك صراع على الصلاحيات الموكلة الى كل ! نهم، وهل عالجت قوانين اللامركزية والبلديات 2015 ذلك لتفادي مثل هذا التداخل مستقبلاً.
يعتبر البعض بأن أهم نقطة خلافية بينها هي إمساك المحافظ بمفتاح الأمن والنظام وبذلك يمتلك السيطرة على مفاصل الحياة بالبلدية، مثل الرقابة على الأسواق والبسطات التي قد تستدعي التوقيف والإعتقال لصغار الكسبة وإزالة مخالفات البلدية التي تتطلب تعزيز أمني وقد تصل سلطته لترأس اللجان الفنية كالتنظيم والأراضي والحياة الثقافية والتجارية والصناعية والنقل العام وخدمات المياه والصرف الصحي ودرء مخاطر الفيضان وخلافه.
مما لا شك فيه بأن الإنتخابات القادمة ستفضي الى تشكل مستويات إدارية جديدة بالأردن هي مجلس المحافظة المنتخب (نواب محليين) والمجلس التنفيذي المعين (حكومة محلية تنفيذية) برآسة المحافظ. ولا نستطيع أن ننكر بأنها خطوة إصلاحية متحفظة من باب تجربة تخويل بعض الصلاحيات المركزية الى مستوى المحافظة بدلاً من مستوى المملكة.
تخوفنا الأساسي مما نحن مقبلين عليه يتمثل بالعلاقة الجدلية بين البلدية (تلك المؤسسة الأهلية التي تتمتع بالشخصية المعنوية ذات الإستقلال المالي والإداري) والتي تنتخب رئيسها ومجلسها البلدي بشكل مستقل عن مجلس المحافظة التنفيذي الذي يتم تشكيله بموجب المادة الرابعة من قانون اللامركزية لسنة 2015 برئاسة المحافظ المرتبط بوزير الداخلية وليس بمجلس الوزراء كما كنا نتمنى. ويضاف الى ذلك الهيئات المستقلة والمناطق التنموية والشركات العامة والخاصة التي ستجد نفسها في بحر من التشريعات المتضاربة أحياناً، فمن يرخص المشاريع الإستثمارية، البلدية أم هيئة ال ! ستثمار الأردنية، وما الذي يتبقى للبلديات من مصادر دخل إذا ما سلخت عنها المشاريع المدرة للدخل اللازم لخدمة سكان البلدية.
لا نريد أن نطلق الأحكام باكراً لما ستؤول اليه العلاقة بين المجلس التنفيذي (المعين وبرئاسة المحافظ) وبين المجلس البلدي المنتخب وبرئاسة رئيس البلدية، والتي قد تفضي الى تنازع على الصلاحيات بما يحوّل العمل اليومي الى جحيم مؤسسي يصعب الفلات منه، لا سيما وأن مدراء الأشغال والصحة والتربية والتنمية والسياحة…الخ كل مرتبط بوزيره تماما كما هو حال المحافظ المرتبط بوزير الداخلية.
سؤالي الى دولة رئيس الوزراء، اليس بالإمكان دمج قانوني اللامركزية والبلديات بقانون واحد يُعنَى بالحكم المحلي والذي يعمل على إزالة التداخلات بالعمل التي أشرنا اليها بإختصار، وتقديم هذا التعديل الى مجلس الأمة لإقراره بما لا يؤخر إجراء الإنتخابات في نهاية العام القادم.
مقالات ذات الصلة