من حكاوى الرحيل ( العشرون )د سمير محمد ايوب

كتب د سمير محمد ايوب
من حكاوى الرحيل (العشرون )
رحيل البراءة وبواكير الشباب
الحياة دون حب يا جدي ، عاصفة مُغْبَرّةٌ . جِئْتُكَ وأنا أجري حثيثاً ، الى مُستَقَرٍ لي في عوالِمِه . أوصِني يا شيخنا . خُذ بِيَدي ، فأنا في غِيطانِه أكاد أن أغرق .
أجلستُ حفيدي قبالتي ، في صحن البيت حيث كنت أجلس وحيدا . أدركت ان حفيدي وقد نبتت شارباه حديثا ، أن الله سبحانه ، قد رزقه حبه الأول .
فقلت محدقا في عينيه الحييتين : يا ولدي ، إن أحسنت ، شمس الحب ظليله . ومهاده ذليله . لا يحجب نوره غربال الحياء . وليس على القلوب فيه سلطان .
وتابعت مستكملا : لا تتعجل الحب يا ولدي . فهو موجود متى اردت . ليس شرطا ان ترى خطواته . فهو يسعى اليك في الخفاء ، وانت لا تشعر . ولكن ، قبل أن تبحث عن انوثة عفوية ، إبحث في نفسك ، أولا عن رجولة حقيقية . وتذكر ان الحب ضرورة فطرية ، لا يموت وإن غفا ، حاجة لا تحجج . غزو وليس احتلالا . لا تحسب فيه الخطوات ، واسمى ما تحسب فيه تصرفاتك .
وقلت وانا امسك براحتية بين اصابعي : وانت تُلامس إحساسها ، كن حذرا يا ولدي ، كما لو انك تجوس حقل الغام . إياك وإرتكاب حماقة الغياب . وعليك دائما ان تجيد معها ولها فنون الأنتظار . وإياك أن تجعل من قلبها فندقا . وتذكر انهن لا يحببن مقابر الحب .
وليتك تعلم ان الأيام تغير كل شئ . حتى تضاريس الجَمالِ والصحة والمشاعر ، لا معالم الأرض وتضاريسها فقط . لذا ، ليتك لا تبالي بغضبك . وإن تَمَنَّعَتْ ، إجعل من أصابعك مايسترو ، يُحرك كل شئ يميل للتوقف او للتباطؤ . لِتُفرحَها إجعل لأشواقك ، أقداما تسعى بها إليها .
بَهَتَ حفيدي الشاب ، وتعلق بصره بين شفتي ، مشدوها مُتمتما بما لم أفهم …….
أكملتُ مُشفقاً عليه بحب : نعم ، لا تعجب يا فتى ، فجميل الحب ممتع . إذا ما إتسع لشريكيه ، يصيبهم حتما بَلَلُهُ وَطَلَلُه . حتى وإن إرتطم بشئ عابر ، من توابل العيش المشترك ونكهاته .
ولكن ، إحذر وإياك ان تغفل ، عن ان طرق الحب طويلة ممتدة ، شاقة ومتشعبة . ومواصلة السير فيها حتمية ، مهما نبتت على حواف مضاميرها اشواك , فالتوقف في المنتصف او دون المنتصف او بعده موت زؤام محتم .
وهو يداعب شعره المُكَزْبِرِ المَنفوشِ ، تمتم محاولا قول شئ . خلته يقول : ولكن …!!!!
دون ان التفت مطولا اليه ، اكملت قائلا : نعم ، قد تغشاه بقعٌ محزنة موجعة ، جراء محاصرته في ضرورات تصريف الأعمال ، وخدمة العلم والمَواسمية . لذا عليك ان تتذكر دائما ، ان حب الحقوق اعمى . وبالتأكيد أن حب الواجبات أعمى هو الآخر .
تهللت اساريرحفيدي . وإبتسمت عيناه وضاقتا على اتساعهما . وتراقصت رموشه الطويلة وحواجبه الكثيفة ، وهو يحدق بوجهي برجاء وحنان يافع .
أكملت وانا امسك بكتفيه وأُدْنيهِ من صدري : ، الحب يا ولدي ، مشاركة نشطة مستدامة . تقتضي توازنا في الحقوق وفي الواجبات . منه تبدأ كل النسائم والرياح والزوابع . في لججه وفي ثناياه قوس قزح وتلاوين ذيل طاووس .
لِتجعلها محظوظة ًبك ، إتقن كل أبجديات الحب وتفنن بها ، فقط كلما دق قلبها ،أوكلما رمشت عيناك . جئها لو نادتك اليها . وإجعل مجيئك طرفة عين . ولتكن روحك مشبعة بها وبفرحها وبحزنها ، اكثر من تضاريس جسدك .
لتغزوها ، لست بحاجة الى إستئذان ، كن شيئا يَخُصها وقتما تشاء . خذها معك في كل الدروب أينما تشاء .
وتتمتم لها : احبك ، بالكيفية التي بها تشاءان .
الاردن – 31/1/2017

مقالات ذات الصلة