ما بين شكل مبررات نقابة الأطباء في رفع اسعار الأجور الطبية، ومضمونها، تضيع الحقيقة، ويصبح مَثَلُ من يتحدث عن إنسانية مهنة الطب، مَثَلُ أصحاب أحلام البقظة، ما أن يعود الواحد منهم إلى أرض الواقع، يكتشف أن الطب بات اليوم سلعة احتكارية، لا تمت للإنسانية بصلة.
لائحة الأجور الطبية الجديدة التي أصدرتها مؤخرًا نقابة الأطباء، واصبحت سارية المفعول منذ مطلع الشهر الحالي، وتضمنت رفعًا واضحًا في قيمة أجور الأطباء داخل وخارج المستشفى، لم تأخذ بعين الاعتبار، كما يعتقد مراقبون، الظروف المعيشية الضنكة التي يعيشها الأردنيون.
أن تسعى النقاية لتحسين وضع أطباء القطاع الخاص، وإن كان وضع معظمهم، وفق مراقبين، جيد، أمر يحتاج إلى نقاش، لكن أن لا يشمل هذا السعي أطباء القطاع العام، فهذا شأن يجب التوقف عنده، خاصة أن مستشفيات وزارة الصحة تشهد نزفًا متزايدًا في أطبائها، ومن شأن استمرار هذا النزف أن يؤسس لخصخصة إجبارية للقطاع.
وفي سياق ذي صلة تقول نقابة الأطباء إنها الجهة الوحيدة المعنية بتحديد قيمة أجور الأطباء، ووزارة الصحة تؤكد هذا الأمر، مع أن قانون الصحة العامة يفيد خلاف ذلك، إذ جاء في المادة الثالثة فقرة باء من هذا القانون أن وزارة الصحة معنية بتنظيم الخدمات الصحية المقدمة من القطاعين العام والخاص والإشراف عليها.
في خلفية المشهد تقف شركات التأمين متأهبة، صحيح أن جمعية التأمينات الصحية ارتأت أن لا تدلي بدلوها في هذا السياقـ،، لجهة أنها تتفاوض مع نقابة الأطباء، غير أنها، وفق مراقبين، لن تلتزم بلائحة الأجور الجديدة، وإن التزمت، فإنها قطعًا سترفع قيمة الأقساط التأمينية.
يرى مراقبون أن فئة من الأطباء لم تكن تلتزم بلائحة أجور عام ٢٠٠٨، والأسعار فيها كانت إلى حد ما مقبولة من شرائح المجتمع الأردني كافة، فما بالكم كيف سيكون الحال لو لم تلتزم هذه الفئة؟ا
في المستويات كافة يبدو أن القطاع الطبي سيختلف بعد بدء العمل بلائحة الأجور الطبية الجديدة، ولا سيما في البعد المتعلق بقدرة هذا القطاع على المنافسة، واستقطاب مرضى من دول الإقليم، فهل تتراجع السياحة العلاجية جراء ما أقدمت عليه النقابة؟
نقابة الأطباء ترى أنه بات من الضرورة بمكان انصاف الأطباء، بعد مرور عشر سنوات على لائحة الأجور الطبية لعام ألفين وثمانية، فيما يرى آخرون ان للعدالة وجهان، ولا يمكن أن ينصف الأطباء أنفسهم، وينسون المرضى، وما بين مد وجزر فإنه، كما يبدو، أصبحت لائحة الأجور الجديدة سارية المفعول، وضرب مجلس نقابة الأطباء عصفورين بحجر واحد، كسبوا الزيادة في الدخل من جهة، وتهيأوا لجولة انتخابات مقبلة من جهة أخرى، ولا عزاء للفقراء.