· احمد اسماعيل .. وتر يجلد وطن معصوم

م ‏معاذ السرسي‏
·
احمد اسماعيل .. وتر يجلد وطن معصوم

على وقع مشاهد ..
زهران دنشواى بجثمانه المعلق فى حبل نهايته .
وقدمى محمد ابو سويلم الموثوقتين فى ذيل احد احصنه الميرى ، بوجهه المسجى بدمائه
وجسده الممدد بين اوحال القوه وغطرستها ، واراده العجز الانسانى لحظه ما تنتصر فقط بأصابع يد خشنه . تتشبث ، وتحرث ، وتدمى وكذلك تعزف . فتسرق زهوه الانتصار من اعين جلاديها .
فى مشهد من انبل ما جسده الراحل / محمود المليجى عبر تاريخه الفنى المديد بالسينما المصريه .
.. حتى ناى احمد سبع الليل الناطق بفطره براءته من دم اعداء الوطن كما افهموه ، وحزنه المخبوء فى ملامحه المعجونه بسمره نيله .
رغم سقوطه من يده مره ما كان مناوبا بأحد ابراج الحراسه والمراقبه فى واحد من سراديب الفكر وهياكل العهر السياسى آنذاك .
والذى سرعان ما التقفه من يد احد اقرانه المناوبين معه.
الا ان نايه لم يخزله ولم يجافه طويلا . ليمهر به الراحل / احمد ذكى رساله الامل المدويه بقرب الخلاص فى آخر مشاهد فيلم البرئ الى اوتاد الجهل ، وقلاع التجهيل القابعه فى رأس الوطن .
فلا لحبل زهران دنشواى
ولا لحصان محمد ابو سويلم
ولا حتى لناى احمد سبع الليل
ثمه ذنب او جريره عدا انهم حبلو بخطيئه ارباب العصمه .
وعلى وقع كل تلك المشاهد . ما زلت ارى احمد اسماعيل ذلك الفنان القدير بقماشته الشعبيه البسيطه . ببيجامته الكاستور المحلاوى . بملامح وعقليه جيل الطليعه المستنير .
مازلت اراه ناسكا فى محراب الماضى . ممسكا بتلابيبه بنزعته الفنيه الخالصه وطابعه الثورى الجيفارى العنيد .
مكتفئا على عوده الرخيم يطنطن ويدندن على بحر قوافى فؤاد حداد وصدى صرخاته الموجعه والمرييييييره .
احمد اسماعيل ( ذرياب مصر ) كما اسميه واصر على تسميته بهكذا ذرياب مصر ببنطاله القماش وقميصه مشمور الاكمام وياقته التى لم تعرف رابطه العنق وهامته المرفوعه ونحالته الباديه عليه من فرط اقلاله من الطعام .
اراه مثاليا الى ابعد مدى . عزوفا باكيا فى اوج ضحكاته . دؤبا فى حداده الموصول على روح الوطن التى انتزعتها من اوصاله اياد المال والسلطه والجهل .
ففى اواخر عقد الثمانينيات بالقرن المنصرم خبرته النخب والاوساط الثقافيه شابا فى مقتبل العمر يحمله عوده وموهبته على السير فى الحقول الشائكه ومنها الى مقارعه تراث العم فؤاد حداد لحنا وغناءا . بمنطق وهوى المتسكع فى حوارى المحروسه ومقاهى وسط البلد وسيدنا الحسين بقاهره المعز .
فكان اشبه بثمار التفاح البلدى حينما يستهويها دفئ الشتاء فتعجل بطرحها .
ومن لحظه اعتياده على مجالسه النخب المثقفه والتحامه المباشر مع جماهير السميعه من ابناء الطبقه البرجوازيه الكادحه على مذهب الشيخ سيد درويش
وهو على هذا العهد وذاك الاعتياد .
الا ما جادت به دار الاوبرا او ساقيه عبد المنعم الصاوى او احدى الصالونات الادبيه او بعض الفاعليات التى تقيمها اى من النقابات المهنيه او العماليه او امانات الاحزاب .
وهو كذلك فى حاله تبعث على الغرابه ناهيك عن الدهشه من فرط هدوءه ويقينه ورضاه بما يقدمه من رساله وما تقبض عليه يده وتسقطه سهوا فى جيبه غير عابئ او مكترث.
ورغم كل هذا الرصيد والزخم والاثراء الذى يملكه ذريات مصر احمد اسماعيل لم يذهب بعقله بريق الشاشه الفضيه ولا بوسترات وكالات الاعلان الضخمه على واجهات المبانى ولم تكن لتستفزه فتدفعه ليعرض فنه وعوده فى اسواق نخاسه الفن واوساط الشلليه المقيته التى اعتادت على ان تقدم فنا استهلاكيا موسميا رخيصا يتماشى من وجهه نظرهم مع ظروف السوق واشتراطاته امعانا منهم فى افساد الذوق العام بأثره فيحصدون نظير تلك المؤامره ملايين الجنيهات .
لتبدو ان مطابخ الفن وباروناته ومعها معامل التهجين الفكرى والاعلامى كانتا منفتحتان اكثر من اللازم على مطابخ السياسه واروقه الامن فى عهد االامبارك الى الدرجه التى كادت معها ان تغتال الابداع ، وتنتزع شقفته من صدور كل موهوبى الوطن .. طالما لم يتقنو بعد بروتوكول التملق والزيف والزلفى الى كهنه المعبد كرخصه المرور عبر بوابه وعالم الشهره .
ليظل احمد اسماعيل هكذا موقوفا بأمر الهوى والمزاج السياسى عن المسير الى اولى درجات سلم مجده الى ان انبلج فجر ثوره 25 يناير المجيده فأزاحت عنه الستار الشبيه بالحصار لتعرفه الجماهير وتتهافت عليه وسائل الاعلام قاطبه وباستحقاق كأول مبعوث لشرعيه الفن الثوريه الى ميدان التحرير . بعدما اغتسل من طهره ، والتحف برصيفه . كما كان يلتحف برصيف السيده …
بقلم /
معاذ السرسى

الى اخى وصديقى الفنان القدير / ذرياب مصر احمد اسماعيل

مقالات ذات الصلة