الهروب إلى النور …!!! الاديبة ماجدة تقي

الهروب إلى النور

الاديبة ماجدة تقي
ذكرياتي … ليتها كانت من ورق ..لأحرقتها حتى لايعود إلَّي أبداً لكنها واقع لا أستطيع إحراقه وجزء مني لا يفارقني وأسعى إلى فراقه ..يحرق قلبي … أتألم .. أصرخ ومهما صرخت تؤلمني ,وتجعل منى إنسانة تعيش آلام الناس فى زمن افتقد فيه الإنسان الشعور حتى بنفسه دفعتني أن أصرخ فى أحرف و كلمات وأكتب ..جعلتنى إنسانة لها قلب يموت كل ليلة ويلحق بمن ماتوا مثلها ..تلك العبارات قالتها إمرأة أثناء خلال ساعات السفر …في تلك الرحلة جلست بجواري ..المشوار طويل بطول العمر تخلله أحرف دامعة إخترقت قلبي وأنا أصغي لها وأتاملها في صمت ..
ذلك الضرير تزوجته ..مدرس بمدرسة المكفوفين ..أخفق في العزف على مشاعرى رغم إجادته للعزف على العود ..يستشعر في ذاته انه فنان .على أنني لم أستمع إليه عازفا إلا مرات قليلة ..تتابعت انفاس المرأة ثم صمتت وانسابت على وجنتيها الدموع :
– ماذا هناك ..اهدئي قليلا !!
وفي نبرة مترددة اجابت :
– في بداية زواجنا سألني إن كنت أجيد الغناء ..غني وانا اعزف لك …
غنيت جفنه علم الغزل لعبد الوهاب وانطلق من بين أصابعه لحنا نشاذا وبدا عليَّ الامتعاض ورفضت مواصلة الغناء الا بعد انتهاءه من العزف ليغضب كالثور الهائج ويلقي بالعود في وجهي ومن وقتها بقي العود في بيتي شاهدا على الحادث ..قطعة ديكور أصالح بها قلبي وأزين بها بيتي وأغني لنفسي ولأمل مازلت أتوق إليه ..
بين تنهيدة وآهة واصلت المراة حديثها المبلل بالدموع :
لم يولد ضريرا وإنما كف بصره بعد أن أصيب بالجدري في طفولته .ليبرز التناقض الغريب بين إسمه وبين واقعه فلم يكن لجمال نصيبا من إسمه بعد أن ترك المرض حفرا وندوبا في وجهه
..متوسطة الجمال كنت ولم أكمل تعليمي بالقدر الكافي لألتحق بالعمل ومازال العمر يجري ..كنتُ في سباق مع الزمن وقد تقدم بي العمر وشبح الانوثة يحدق بي كل ليلة تمر ..حتي يئست من الحلم أن أكون زوجة وأم . .. ويتراءى لي طيف جمال ..فارس جاء من وراء الغيب ليجدد أحلامي ويحقق لي ما حلمت به ..كم تمنيت أن أكون أم ..أقنعني والدي بالقبول بعد تردد وفرصة الزواج في عائلتنا قليلة ونحن من أسرة فقيرة والعنوسة شيء بغيض ومازلت في سن العشرين وجمال في الاربعين فارق كبير في العمر في كل شيء فلم نجتمع على شيء ..اناني ..يستشعر النقص في ذاته كما يستشعر الكمال كلما انتقص مني وحط من قدري وهو يرميني بكلمات من نار تحرقُ مشاعري كأنثى يلعن ويشتمني قائلاً: لو التفت إليك المبصرون ما جئت اليَّ في بيتي يردد ذلك رغم قبحه لكنه لا يري نفسه .. استطردت المرأة وتابعتْ قولها وأنا أستمع إليها في ذهول :
حين نجلس للطعام ينتابني شعور بالقرف من طريقة أكله والطعام يتساقط على ذقنه وملابسه وهو يلوك الطعام بصورة مقززة ليست من فعل البشر فضلا عن إهماله في ملابسه وقذارته الشخصية ..بدأت أبتعد عنه نفسيا وتحولت مشاعر الشفقة نحوه إلى كراهية وامتنعت عن الطعام معه وتذرعت برائحة الطعام التي تسبب ليَّ الغثيان بسبب الحمل ..اعتدت على خدمته على مضض لتمضي حياتي مملة بطيئة أتذوق فيها طعم الفقر وأولادي الثلاث من حولي أحاول تدبير إجرة البيت الذي يأوينا من حرفة تعلمتها منه ..تنجيد كراسي القش حرفة تكفي مصروفات البيت بالكاد ..بيت لا تدخله الشمس ..ولا تدخله السعادة .حاولت الهروب من حياتي بالطلاق لكن الطلاق مكروه في عائلتنا فالمرأة لا بيت لها إلا بيت زوجها ولو كان جمال !! لازلت أعيش في عذاب ..
كثيرا ماتمنيت الموت للخلاص من هذا الكابوس فكلما دعاني لفراشه أشعر أني أغتصب ونتيجة ذلك بدأ يشك في خيانتي له ويسأل أطفالنا من أتى لزيارتنا أثناء غيابه ومن ذهب وهل خرجت من البيت ومع من تكلمت … ام سامر الوحيدة التي تدخل بيتنا لتحصيل أجرة البيت فنشأت بيننا صداقة بعد أن صرحت لها بما أعانيه مع زوجي ..وانشغلت بتربية الأولاد ونسيت نفسي …مات جمال بعد أن أمات في نفسي كل إحساس بالحياة مع رحلة عذاب مريرة في خدمته لصراع عنيف مع مرض خبيث أصابه….حياة الفقر لم تغادرني حتى بعد زواج أبنائي وانشغال كل منهم بحياته الخاصة وبقيت بين جدران أربع ، أفكر بحياتي وأيامي المقبلة أ-أنتظر الموت أم أبدأ حياة جديدة ..اشتريت كمبيوتر لأتواصل مع أولادي بما توفر لي من نقود من عملي ..علمتني ابنة الجيران كيف أكتب وتواصلت من خلال النت مع آخرين ..ومنهم أبنائي ونادرا ما يحدث ويتكلمون معي ونشات من خلال النت صداقات كبيرة واستهوتني الكتابة ومن خلال الحروف والكلمات التقت أناملي وتعلقت روحي بروح تشكو مثلي الوحدة ، أغرم بي قبل أن يراني وبعد أن تجاوزت الستين من عمري عاد قلبي للحياة ليدق ويهتف باسم من يحب ..طلبني للزواج وأنا الآن في الطريق إليه .. تركت خبراً مع جارتي إن لم أعد خلال شهر فلن أ عود .. طريق الأمل مازال ممدودا وطريق النور يناديني ..ماجدة تقي

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏
مقالات ذات الصلة